فصل: شهر شعبان سنة 1218:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الثانية سنة 1218:

واستهل بيوم الأحد في أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤون على نقل الماء الى الصهاريج والأسبلة ليلاً ونهاراً من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض، ولم ينزل بالأراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون.
وفي سادسه، وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم، فلما أصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير وأصبح البرديسي مجتهداً في ذلك وأرسل محمد علي وخازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبه غله لا غير، فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضاً وفتحوا الطوابين والخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالأسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الأردب والفول خمسة ريالات، وكذلك الشعير إن وجد وكان السعر لا ضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية، ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الأرياف، فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي.
وفي هذا الشهر، تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة أيام وقطع عنها الماء، ثم رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الأول ورد المكوس والمظالم.
وفي يوم الأحد، وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس.
وفي يوم الإثنين، عملوا ديواناً عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والألفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدراً وكذلك على باقي الأمراء والكشاف والأجناد كل منهم على قدر حاله في الإيراد والمراعاة، فمنهم من وزع عليه عشرون كيساً ومنهم عشرة وخمسة وإثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدراً كبيراً، فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الأصل ألف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت.
وفي يوم السبت رابع عشره، أنزلوا فردة أيضاً على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف، كل طائفة قدراً من الأكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الأعوان للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوات للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى أمر شنيع وهو أنهم سعروها كل أردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته إلا بإذن من القيم بعدما يأخذ منه نصف الغلة أو الثلث أو الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن وإذا أراد ذو الجاه الشراء ذهب أولاً سراً وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلاً وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه وإذا حضر ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل أردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الأجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم أربعمائة أردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئاً ويعطي للخبازين من المائتين خمسين أردباً أو ستين ويبيع الباقي بأغراضه بما أحب من الثمن ليلاً فضج الناس وشح الخبز من الأسواق وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك، واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والأمر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن فلا يقدر من يشتري شيئاً من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكتري واحداً عسكرياً أو مملوكاً يحرسه حتى يوصله الى داره وإن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحري أخذوها ونهبوا ما فيها جملة، فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء.
وفي عشرينه، مات محمد بك الشرقاوي وهو الذي كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوي.

.شهر رجب الفرد سنة 1218:

استهل بيوم الثلاثاء، فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الآغا أمين البحرين والساحل ورفق بالأمر واستقر سعر الغلة بألف ومائتين نصف فضة الأردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف، وأما السمن فقل وجوده جداً حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفاً فيكون القنطار بأربعين ريالاً، وأما التبن فصار يباع بالقدح إن وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف.
وفيه حضر واحد انكليزي وصحبته مملوك الألفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكاً ومدافع وأشيع حضور الألفي الى سكندرية، ثم تبين أن هذا الانكليزي أتى بمكاتبات، فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك، وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس أن الألفي حضر الى الإسكندرية وأن هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك.
وفيه حضر أيضاً بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة الى بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الأمراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك، ثم قالوا إن الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة، مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز، وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئاً، فلم يقبلوا هذا القول، ثم اتفق الأمر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك. وحضر أيضاً صحبة أولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب أخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس، فقال أخوه إنها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته، ولم يتزوج بها على ملة القبط، ولم يعمل لها الإكليل الذي هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك، فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك، فكتبوا لهم جواباً بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم، ولم يعمل بينهم الإكليل فيكون الحق في تركته لأخيه لا لها.
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالإسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الإفرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام، وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الإفرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وأردبوش، ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الأيام، ثم عادوا فمروا بمساكن الإفرنج ووكالة القنصل، فأخرج الإفرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالاً ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم، كما جرت به العادة فضربوا عليهم من أسفل بالبنادق فضرب الإفرنج عليهم أيضاً، فلم يكن إلا أن هجموا عليهم دخلوا يحاربونهم في أماكنهم والإفرنج في قلة، فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتاباً بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم، وأما العسكر أتباع الباشا، فإنه لما خرج الإفرنج وتركوا أماكنهم دخلوا إليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر إليهم، وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها. وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فامتنعوا عن الكتابة إلا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيري المالكي فمقته ووبخه، ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه إذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك.
وفي يوم الجمعة رابعه، اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين، ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته، وكلموه أيضاً على خبز الجراية المرتبة لفقراء الأزهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزاً.
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وأرسلوها الى علي باشا بإسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولأجل الأخذ في تشهيل أمور الحج وإن تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام.
وفي عاشره، سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولاً الى أحمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر.
وفي هذه الأيام، كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة، وكثر الخبز بالأسواق وشبعت عيون الناس، ونزل السعر الى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف إلا في التبن.
وفي منتصفه، فتحوا طلب مال الميري ومال الجهات ورفع المظالم عن سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد أمراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الأرنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا، وطلب الفردة مستمر حتى على أعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها وأعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد إن أمكنه ذلك.
وفي أواخره نبهوا على تعمير الدور التي أخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل وأحدثوا على الشوارع السالكة دروباً كثيرة، لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد أهل الأخطاط بعضهم، كما هو طبيعة أهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماماً عظيماً وظنوا ظنوناً بعيدة وأنشأوا بدنات وأكتافاً من أحجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من أصحابها وفردوا أثمانها عن أهل الخطة.
وفي أواخره أيضاً نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الأبراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فإنه أنشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذي هو بيت حسن كاشف جركس إحداهما عند قناطر السباع والأخرى عند المزار المعروف بكعب الأحبار وبنى حولهما أبراجاً عظيمة وبها طيقان وبداخلها مدافع أفواهها بارزة تضرب الى خارج ونقل إليها مدافع الباشا التي كانت بالأزبكية فسبحان مقلب الأحوال.
وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودي الى بولاق وأخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وأرسلوه الى بحري فارتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال.

.شهر شعبان سنة 1218:

أوله يوم الأربعاء، وفيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذي يقال له ديوان أفندي وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة مضمونه الرضا عن الأمراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الأعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل أمير فائظ خمسة عشر كيساً لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات، وأن الأوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميري وأن الكلام في الميري والأحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذي يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذي يحضر أيضاً، فلما قرئ ذلك بحضرة الجمع من الأمراء والمشايخ أظهروا البشر وضربوا مدافع، ثم اتفق الرأي على إرسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جواباً مضمونه مختصراً أنه وصل إلينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الأحوال وأعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الإثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محم ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوي.
وفي هذه الأيام، كثر عيث العسكر وعربتهم في الناس فخطفوا ععمائن وثياباً وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم.
وفيه وصل قاضي عسكر مصر، وكان معوقاً بالإسكندرية من جملة المحجوز عليهم.
وفي يوم الجمعة عاشره، وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم فانزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة وأغلقوا الدكاكين واجتمع الناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والسيد عمر النقيب والشيخ الأمير فركبوا الى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم، ثم ركب الآغا والوالي وأمامه عدة كبيرة من عسكر الأرنؤد وخلافهم والمنادي ينادي بالأمن والأمان للرعية وإن وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وإن لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه، ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمناداة خطفوا عمائم ونساء.
وفي ليلة الأربعاء ثامنه، حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشى عنده، ثم قبض عليه وختم على بيته وأخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها أياماً حتى انتفخ فأخرجوه وأخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الأمراء وأن بعضهم اشترى منه أواني نحاساً ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه أيام محمد باشا، فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت ليس عندي شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ وأخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام وأخذها وخرج.
وفي يوم الأحد ثاني عشره، نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر أن أتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على أن الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جداً فكان هذا أول أحكامه الفاسدة.
وفي يوم الأربعاء، أشيع أن الأمراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضاً عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذي تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضاً عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادي الذي قتل بأبي قير الذي تزوج امرأج سيده أيضاً وعمر كاشف مملوك عثمان بك الأشقر الذي تزوج امرأة سيده أيضاً ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوي ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الآغا وتزوج ابنته أيضاً، فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضاباً نواحي الآثار، ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقاً.
فلما كان يوم الأحد تاسع عشره عملوا ديواناً بالقلعة وألبسوا فيه خمسة عشر صنجقاً. وهم أربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الأمير ابراهيم بك الكبير عوضاً عن سيده وإسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذي تزوج بزوجة سيدة زينب هانم ابنة الأمير ابراهيم بك أيضاً ومحمد كاشف الغربية وعمر تابع عثمان كاشف الأشقر الذي تزوج بامرأته وخليل آغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البرديسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادي ورستم تابع عثمان الشرقاوي وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذي تزوج بامرأته ومن طرف الألفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد والياً عوضاً عن حسين المذكور،وفيه ورد بوصول طائفة من الانكليز الى القصير وهم يزيدون على الألفين.
وفي عشرينه، حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من إسكندرية يخبر فيه أنه وصل الى إسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وأنه يأمر بتشهيل أدوات الحج ولوازمه وأطلق أربعة وأربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار.
وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل أحمد باشا الجزار وأكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانياً بعد أيام.
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق أن جماعة من عسكره الأتراك الذين انضموا إليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودي بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الأتراك ثلاثة ومن البحرية أربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائباً عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من الأمراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الألفي فأرسل البرديسي خبراً الى الألفي بعزل حسين بك عن قبطانية البحر وتولية خلافه، فلم يرض الألفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة، ثم انحط الأمر على أن حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطبيباً لخاطر سليمان بك وإخماداً للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه، ألبس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي آغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضاً عن سيده وكان شاغراً من مدة حلول الفرنساوية.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه، ركب حسن بك أخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فانزعج من ذلك ولم يكن عنده في تلك الساعة إلا أناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا أسلحتهم وأرسلوا الى الأمراء والكشاف والأجناد بالحضور وتوانى في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الأمراء الى القلعة وحصل بعض قلقة، ثم نزل الى التنهة وأذن لأخي طاهر باشا بالدخول إليه في قلة من أتباعه وسأله عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام، وقام وركب، ولم يتمكن من غرضه وأرسل البرديسي الى محمد علي فحضر إليه وفاوضه في ذلك، ثم ركب من عنده بعد المغرب.
وفي تلك الليلة، نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي، فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودي بأنه من شعبان وأصبح الناس مفطرين، فلما كان في صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودي بالإمساك وقت الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة، فلم يره إلا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء.